عسكريم أبو خمسة

"يمين، يسار، مرة ثانية يمين، طريق طويل سييدة، 

بعد التقاطع، البقالة بزاوية بيت أم خالد."يحاول 

موسى برأسه الصغير استذكارمحل البقالة الذي 

ذهب له مع والده قبل يومينتعيد والدته تكرار طلبات 

المنزل فوق رأسه ليحفظها، لم يتعلم القراءة بعدتقول 

وهي تعد بأصابع يدها العشرة أمام وجهه:"قشطة، 

عسل، صامولي، ببسي، جبن، خبز، صابون يدين، 

ولا تنسى أهم شيء الشاهييهز برأسهإيجابًا

تقفز اخته التي تصغره بسنة واحدة بجانب أمه،

 تردد هي بدورها بعضًا من الطلبات :"أنا أبغى 

بعد عسكريم أبو خمسةتتفاجئاخته بضربه من 

أمها على رأسها:"من قال لك عندي فلوس تكفي؟

روحي ارجعي اجلسي مكانكتحول بعينيها المسودة 

بالكحل إلى موسىمجددًا:"إياني وإياك تنسى 

غرض من الأغراض، رح ركض وأرجع ركض قبل 

يجي أبوكيهز برأسه مجددًا لكن بشكل أسرع، 

يبتلع ريقه مفكرًا بأصعب جزء من مهمته، العودة قبل 

مجيئ والده

يرتدي نعاله الجلد السوداء، متشققة الجانبين، يخرج 

جزء من قدمه منها، لكنه يعيد ارتداءها بشكل عنيف

تتبعه والدته إلى باب الشارع،واضعة يدها على كتفه،

تخبره بأنها ستضع مزلاج الباب لكيلا تضطر إلى 

الجلوس منتظرةسيكون الباب مفتوحًا عند عودته، 

لذلك يحبذ ألايطرق الباب، أو يرن الجرس، تحسبًا 

لو سبقه والده بالعودةتكرر والدته الطلبات فوق رأسه 

مجددًا، يهز رأسه، توصيه بأن يتجنب الحديث مع 

أي شخص، خصوصًا صاحب البقالة، خوفًا من ذكرهم 

له أمام أبيه

يمشي أولى خطواته بالشارع مبتعدًا عن المنزل، يتوقف 

ويلقي نظرة على باب المنزل، اختفت والدته، هو وحده، 

وقائمة طلبات تجلس فوقرأسه، وهلع يجري وراءه، وفرح 

طفيف يدور حوله بأول مهمة خارجية

تذكر وصية الركض، انطلق راكضًا، يحاول تذكر الاتجهات، 

يغض بصره عن جميع من حوله، الشوارع مليئة بالحياة،

أولاد يتسابقونبالدراجات، وآخرون يتحلقون على الأرض 

في منافسة مصاقيلرائحة اسمنت من البيت المجاور،

محاولة ترميم بعد بناء مخطط فاشل، توقفللحظات أمامه 

لتأمل العمالة التي تعمل بدون توقف، غير آبهين بمجموعة 

الفتيات اللاتي جلسن على كومة الرمل أمام المنزل 

يتدحرجن عليها،أراد مشاركتهم، خطا أول خطوتين

نحوهم، تذكر فجأة والده، رجع أدراجه راكضًا، يهلث، 

يسعل، تطير نعلته اليمنى، يطأ مجموعة منالحصوات 

الصغيرة، تؤلمه باطن قدمه، يقفز على قدم واحدة إلى 

مكان هبوط نعلته، يرتديها بعد تأوهات عديدة، 

ويستكمل ركضه

لا تزال الشمس ساطعة، لكن آذان المغرب ليس ببعيد، 

الآذان هو علامة انتهاء المهمة، يجب أن يكون في المنزل 

عند آذان المغرب

توقف في منتصف التقاطع، يتأمل المارة، سيارات، 

دراجات، دبابات، فجأة كل الأشخاص يشبهون والده، 

كلهم يلقبون بأبو موسى، كلهممعهم عصي، كلهم يحملون

 منديلًا في يدهم اليمنى، سيارة هايلوكس تمر أمامه، 

بنفس الرقم المرسوم على سيارة والده 2700 على جانب

السيارة، فوق العجلة، تمشي ببطئ متجهة نحوه، أراد 

لو أن تبتلعه الأرض، أن يسقط في حفرة المجاري أمامه، 

أن يختفي بلا أثر، أحسبخيانة مثانته، ستنفجر في 

أي لحظة، أطرق برأسه للأسفل، يتمتم:"يارب إنه موب 

أبوي يارب إنه موب أبوي يارب إنه موب أبوييرفع عينًا 

واحدة، يراقب السائق وهو يقود نحوه، توقف السائق 

أمامه، أخرج رأسه من النافذة:"هلا والله بموسى ولد 

محمد، وش اخبارك؟ وش مطلعك بهالشموس؟ وش أخبار 

أبوك؟ وينه؟ وراك لحالك؟ عسى ما شر؟سيل عارم من 

الأسئلة التي لم يعرف كيف يجيب عليها، لم تطلعه أمه 

على دفتر الإجابات، لم يتدرب على حالة الطوارئ هذه، 

هل يهرب؟ يجيب؟ يخترع قصة؟ ظل صامتًاشرع يسأله 

الرجل ذو الغترة البيضاءوالمسواك العريض:"وراك ساكت؟ 

تبي ترجع البيت؟ ولا تبي تروح مكان؟ اركب معي أوديك

رد موسى بغير حول منه ولا قوة:"أمي معطتنيفلوس تبي 

أغراض من البقالة".

ركب موسى في المقعد الأمامي، لم يعتد على الركوب فيه، 

إحساس رائع، يستمر الرجل بالحديث ويستمر موسى 

بالتفكير بروعة المقعد الأماميتتوقف السيارة فجأة أمام 

بقالة غير التي أراد الذهاب إليها، كبيرة، وبعيدة عن منزله، 

لكنه دخلها على أية حال

وضع أصابعه العشرة أمام وجهه، يحاول عد الطلبات لكنه 

لم يستطع، يسفط إصبعًا محاولًا تذكر غرض واحد على الأقل 

لكنه لم ينجح، ينظرإليه صاحب الغترة البيضاء من نافذة 

السيارة، يحاول جاهدًا معرفة ما سيشتري لأم موسى

يحاول موسى ألا يقابله بنظرات الضياع لذلك يدير بظهره له.

أخيرًا توجه موسى راكضًا إلى الفريزر، أخذ عسكريم أبو 

خمسة ودفع ثمنه، أحس بالانتصار لأنه تذكر على الأقل طلبًا 

واحدًا من طلبات والدته، وخرج مبتسمًا

يعود للمنزل، يلوح له صاحب الغترة البيضاء ويقول:"سلم 

لي على أبوك. يفتح الباب ويزيل المزلاج، يغلقه بهدوء، 

ويدخل للمنزل، يبحث عنسيارة والده، لكنها لم تكن موجودة، 

تعاود الابتسامة وجهه، يركض للمطبخ، يمد الكيس البلاستيكية 

الزرقاء لوالدته، تقفز اخته وتمسكها بدلًامنها وتصرخ ضاحكة:"عسكرييمم!!" ينتهي بموسى الأمر يأكل عسكريم 

بلون الكولا وبطعم الدموع

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محاولات للمشي بدون عكازات

ضمان للدرجة الكاملة