مرطبان

 تمتلك جدتي مرطبانًا زجاجيًا بطولي، ودائمًا 

ما تضحك على قصر قامتي عندما أقف 

بجانبه، ولكنني طويل حقًايصل رأسي إلى 

مقبض الباب، لكنها لا تكف عن الضحك 

والمقارنة بيني وبينهيقع مرطبانها الشفاف 

ذو الغطاء المعدني الفضي في زاوية غرفتها، 

في وسط دولاب صغير ذو بابين، يغلق بحبل 

لانكسار مقبضه منذ سنواتأسأل جدتي عن 

مكونات السائل الأحمر الموجود فيه، لكنها لا 

تجيبني بالحقيقة أبدًا، إجاباتها مقتضبة مبهمة، 

أحيانًا تقول بأنه نوع من أنواع الجيلي، ومرة 

تقول بأنه عصير، وأحيانًا أخرى تخبرني بأنه 

مجرّد ماء ذو لون مميز، وفي إحدى المرات، 

فاجئتني بقولها بأنه مشروبها الروحي، لم أفهم 

ما قالته، ولم تفسّر لي ما تعني أبدًا، حتى أنني 

بدأت أخاف إن كانت جدتي مصاصة دماء، وما 

السائل الأحمر سوى دماء ضحاياها، وما نفى 

هذا التوقع، هو عندما أعطتني جرعة منه بعد 

أن خلعت ضرسي، فتذوقته ولم تكن دماءً.

أما بالنسبة لطعمه، فهو لا يملك طعمًا مميزًا، 

خفيف، بلا رائحة، فيه حموضة خفيفة، ولكنه 

بشكل ما لذيذ، كلما ارتشفت منه رشفه، أردت 

المزيد، لكن جدتي لا تعطي قطعًا رشفات ثانية

بعد أن خلعت ضرسي، أو بعد أن خلع خالي 

ضرسي لي، شعرت بآلام فضيعة، فكي، خدي، 

ولثتي، كلها متورمة، وبعد ارتشافي للسائل، 

وتمضمي منه، اختفت الآلام تمامًا، بعيدًا 

تمامًا عن العصير، وأقرب للمخدر، فكيف 

له أن يمحي ألمي هكذا وكأنه غير موجود؟ 

أيعقل أن تكون جدتي مهربة مخدرات؟ 

وهذا ليس إلا مخدرًا سائلًا؟ 

محظوظة والدتي، فعندما ولدت أخي الأصغر، 

أعطتها جدتي كوبًا كاملًا منه، وطلبت منها 

أن تدهن أخي الأصغر فيهأتمنى لو أستطيع 

شرب كوب كاملٍ منه، حتى لو كان مخدرًا

ينقص المرطبان، وأحيانًا يزيد، لم أرى جدتي 

قط تقوم بملئه، لكنه دائمًا موجود، أراه ينقص، 

وكلما نقص، نسعد، تخف آلامنا، نضحك، 

نشعر بالحب والألفةوفي ذكرى زواجها، 

امتلأ المرطبان إلى آخره، حتى أنني خشيت 

بأن ينفجرلكنه سرعان من نقص عندما سقط 

أخي على ركبته وبكى متألمًا، فهرعت جدتي 

وغمست قماشًا فيه ومسحت على جرح ركبته

كلما زاد، نرى جدتي تضحك وتبتسم، خفيفة، 

وكأنها لا تجلس معنا على الأرض، وإنما تطير، 

بينها وبين الأرض مسافات، ولم تخلق إلا 

للطيران

يملك جدي مرطبانًا أيضًا، لكنه ينفق منه 

القليل، على العكس من جدتي التي تفيض 

به علينا، وفي إحدى الليالي، بينما كنت ألعب 

الغميضة مع أخي الأصغر في غرفة والداي، 

رأيت مرطباناتهم، الجميع لديه واحد، إلا أنا… 

سألت والدتي عن مرطبانها، وكيف أنني لم 

أتذوق منه قطرة قط، أجابتني بأن هنالك 

العديد من الطرق التي ارتشفت فيها من 

مرطبانها بدون أن أعلم، فهي تضع منه في 

غذائي أنا ووالدي وأخي، تدهنني فيه، 

ترشني به، ولم أكن أنتبه لهاذا كله

توفي جدي، وبدأ مرطبان جدتي ينقص أكثر

 من أن يزداد، يزيد مللترًا واحدًا، وينقص 

عشرة، أصبحت تقتصد في استخدامه، إلى 

أن جفّ تمامًا، وتوفيت هي بدورها

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

محاولات للمشي بدون عكازات

ضمان للدرجة الكاملة

عسكريم أبو خمسة